تقرير عن حمد بن خليفة بو شهاب للصف التاسع 2024.

حمد بن خليفة بو شهاب

المقدمة:
ولد حمد بن خليفة أبو شهاب عام 1932 في عجمان .
* تعلم في كتاتيب عجمان ثم التحق بالمدرسة "المحمدية".
* أحب الشعر مبكراً وكتبه في سن التاسعة وظل محافظاً على القصيدة العمودية طوال عمره، سواء في شعره النبطي أو الفصيح.
* في الخمسينات من القرن الماضي تنقل للعمل ما بين جزيرة "سقطرة" في بحر العرب والكويت والسعودية والبحرين.
* انتقل للعيش في دبي مطلع السبعينات من القرن الماضي.
* اهتم بتوثيق التراث الإماراتي من الشعر الشعبي، وتاريخ دولة الإمارات والأنساب في المنطقة.
* أشرف على إصدار عدد كبير من الدواوين الشعرية لشعراء النبط في الإمارات.
* عين وزيراً مفوضاً بوزارة الخارجية.
* عضو لجنة التراث والتاريخ.
* تسلم إدارة مكتب وزارة الإعلام في الإمارات الشمالية في الفترة من 1972-1976، أنشأ خلالها المكتبات العامة في تلك المناطق.
* أول من قدم برامج الشعر الشعبي في التلفزيون، عبر تلفزيون الكويت من دبي عام 1971.
* أول من نشر الشعر الشعبي في الصحافة اليومية عبر إشرافه على صفحة الشعر الشعبي في صحيفة "البيان".
* توفى في جنيف يوم 19/8/2017 .

الموضوع:مؤلفاته:
1- ديوان سلطان بن علي العويس عام 1978.
2- ديوان تراثنا من الشعر الشعبي – الجزء الأول عام 1980.
3- ديوان تراثنا من الشعر الشعبي – الجزء الثاني عام 1981.
4- ديوان ربيع بن ياقوت – عام 1983.
5- ديوان شاعرات من الإمارات- عام 1984.
6- كتاب الماجدي بن ظاهر – حياته وآثاره – عام 1984.
7- ديوان سلطان بن عبدالله العويس – عام 1986 .
8- ديوان محمد بن علي الكوس – الجزء الثاني – عام 1987.
9- ديوان ربيع بن ياقوت، المجموعة الكاملة – عام 1988.
10- ديوان حمد بن عبدالله العويس – الجزء الثالث- عام 1988.
11- ديوان أريج السمر – قصائد متبادلة – عام 1989.
12- ديوان الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم – عام 1989.
13- ديوان قصائد مهداة إلى صاحب السمو رئيس الدولة – عام 1995.
14- ديوان فتاة العرب – عام 1991.
15- ديوان صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان – عام 1991.
16- نسائم المحبة – عام 1996 .
17- وقفات مع تاريخ
دولة الإمارات – عام 1997 .
أعمال لم تطبع بعد
* ديوان الخضر .
* إطلالة على تاريخ الإمارات .
* تراثنا من الشعر الشعبي – الجزء الثالث .
* السيرة الذاتية .
* أشياء من الماضي .
* أشعاره النبطية .
* أشعاره الفصحي.
ما بين البدايات، والرحيل، ثمة تاريخ حافل سجّله الشاعر حمد بو شهاب ليس بما يتصل بالذاتي والشخصي، وإنما ما يتصل بالوطن والإنسان والنتائج منذ وقوفه أمام صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة وهو يقرأ قصيدته، وحتى إسهاماته الجلية بخلق تاريخ شعري في الصحافة والإذاعة والتلفزيون.
هكذا .. عصاه، وملامحه، البدوية، وعنفوانه في الرأي والموقف، وقوافيه وسيرته، وعناوين أخرى كلها تدل على شخصية واضحة وجلية اسمها حمد خليفة بوشهاب. لكن كلها تدل على الجانب الآخر من هذه الاستقلالية الشديدة هناك ارتباط فعال وأساسي بتجربة شعرية عربية رائدة. حيث تأثر حمد بوشهاب بالمتنبي وشغل في ذائقته حيزاً واسعاً لسنوات طوال.. إن هذه المحطة في حياة الشاعر حمد بوشهاب تفتح نافذة واسعة على الترابط
والصلات بين ذلك الكوفي العربي الذي أصبح سيد الحكمة في القصيدة منذ أكثر من ألف عام، وبين الإماراتي العربي الذي حافظ على هذه الروح وظل قابضاً على جمرة الأصالة في الزمن الاستهلاكي.
ولم يكن الشاعر حمد بوشهاب حيادياً، وكيف يكون على الحياد وهو مبدع الكلمة ومفجر الفكرة؟ إن الشاعر والحياد ضدان لا يلتقيان، لأنه في الأصل منحاز للجمال والحق والموقف الثابت. والشاعر حمد بوشهاب قضى حياته بين صلابة الرأي ورقة التعامل مع الآخرين.
بين قوة الكلمة ورقة القافية، بين دقة المفاهيم ومرونة الطرح والمعالجة ، وبين حمد بوشهاب الشاعر وحمد بوشهاب الصديق والإنسان.
ثم بين فصاحة الكلمة في القصيدة العربية وبين عامية اللهجة في القصيدة النبطية. وفي كل هذه الأطراف دائماً هناك روحية شاعر لا يقبل بأقل من المحبة والوضوح والجرأة، ولا يقبل بأقل من الانتماء المطلق لأهله وبلاده وأمته ودينه.
ينبض القلب في الجهة اليسرى من الصدر لكن هذا النبض يشيع وجوده في كل مكان من الجسد .. هذا التفاعل بلغة الشاعر حمد بوشهاب فهو عين يجلس في صومعته الإبداعية ليفكر، فإننا نجد صدى الفكرة في كل مكان في العالم، إنه يقرأ القصيدة ويرد عليها، يجمع نتاجات الشعراء المبدعين ويصدرها في كتاب، يعيد إلى الذاكرة صوت الشعراء الراحلين، وينشط شغف المتابعة والقراءة عند جيل من الشباب.
لم يكن عابراًُ دون صوت ، لم يكن والداً دون أبناء شعر، ولا قدماً دونما أثر واضحٍ .
إنه الشاعر الذي سكن في الطابع، يتابع الأغلفة ويصححّ الأخطاء من أجل غيره، ولكن من أجل بلاده والقارئ في كل مكان.
بهذه الروح، وهذه الأصالة في الفكرة واللغة والصياغة وموسيقا البحور، ذهب الشاعر حمد بوشهاب إلى عشرات الفضاءات الخلافة حيث كان زايد الخير ذكراً طيباً في قصائده ومقالاً طيباً يضيف إليها نكهة الوفاء.
وهناك جناح آخر ارتبط بشكل عضوي في جسد وفكر ذلك الطائر المغرد والحارس الأمين ..إنه جناح القصيدة
النبطية التي تقف على ضفة آخرى لنهر واحد..
وفي هذا المجال نعود إلى العام 1981 حين أسس الشاعر صفحات الشعر الشعبي في جريدة البيان فكانت نافذة مهمة يطل من خلالها الشعراء على تراثهم وجديدهم في آن واحد، وهي نافذة اللهجة الأم بكل الحنين وكل الدفء في العلاقات الاجتماعية والثقافية.. تلك هي قصيدة النبط أو القصيدة المحلية الشائعة في الإمارات ومنطقة الخليج والبلاد العربية.
لقد استطاع الشاعر حمد بو شهاب أن يصعد بها إلى ذرُى الجودة والمضامين الموازية لاخلاقيات الشاعر المبدع، والعربي الكريم والباحث على لؤلؤة المعنى في بحور الصور والكلمات والمعاني. وقد بذل جهوداً مؤثرة وفاعلة في عملية الجمع والتوثيق في مجال قصيدة النبط على مدى أكثر من مئتي عام حيث أعاد الذاكرة أسماء منسية في مطبوعات عديدة منها "ديوان تراثنا من الشعر الشعبي" في جزأين .

الطفولة والصبا:
في عجمان، حيث ولد ونشأ أبو خليفة، حدثنا محمد عبدالله الشيبة صديق الطفولة والصبا، فبدأ حديثه قائلاً: حمد بن خليفة أبو شهاب ولد في عجمان ما بين عامي 1931-1932 في منطقة وسط عجمان أو ما يعرف " بالفريج الوسطي "، وكنا عبارة عن أهل وجيران، بيت والده كان لا يبعد عن بيتنا أكثر من 20 متراً، ولا يفصلنا عن بيت جده أكثر من 200 أو 250 متراً، وحمد أبو شهاب من أصول فلاحية أما أمه فهي سويدية من قبيلة السودان، وهو يصغرني بحوالي 10 سنوات. كانت المنطقة في ذلك الوقت تمر بنهضة أدبية، وخاصة عجمان التي اكتظت بعلماء الدين والشعراء، وكان المجتمع متقارباً ومتكاملاً، وأذكر أن طول المدينة كان لا يتعدى الكيلو مترين أو الثلاثة وعرضها ليس أكثر من كيلومتر واحد، وتميز ذلك الوقت بانتشار المجالس التي اهتمت غالباً بالشعر العربي والنبطي والأدب. وكان لدى حمد أبو شهاب ملكة الحفظ منذ نشأته، وكان يجالس الشعراء والأدباء أمثال راشد بن سالم الخضر، وراشد بن سالم بن ثاني المعروف برشيد، وحمد بن سليمان، وأحمد بن سند ووالدي المرحوم عبدالله الشيبة، وناصر بن محمد، وخالد بن خصيف وغيرهم، فأخذ يحفظ ما يقولون ويكتبه فكان أكثرنا تعلقاً بالشعر والأدب، وأظنه بدأ يكتب الشعر في سن الثامنة أو التاسعة إن لم تخني الذاكرة.
ويسترسل محمد الشيبة في حديثه عن الطفولة ويقول: في البداية تعلم حمد في الكتاتيب، ثم دخلت على عجمان نهضة علمية مثلما دخل على غيرها مثل الشارقة ودبي، ففتح الشيخ عبدالكريم مدرسة أسماها المدرسة "المحمدية" وكانت شبه نظامية، وأظن أن حمد دخلها في آخر عهدها وكان فيها من المدرسين عبدالعزيز وعبدالرحمن الصفار وإبراهيم بن الشيخ نصار، والشيخ حمد بن خالد الذي كان ضليعاً في اللغة العربية والنحو بالإضافة إلى كونه شاعراً .. طبعاً حمد أبو شهاب اهتم بتعلم النحو وشيء من الفقه وأكثر من القراءة، وداوم على الكتابة.
ويذكر الشيبة ما رواه له المرحوم أبوشهاب يوماً فيقول: أخبرني ذات مرة أنه تعب في تدوين 200 أو 250 قصيدة في دفتر، وعندما ذهب إلى الدمام مثلما ذهب غيره من الناس آنذاك لطلب الرزق، طلب أحدهم هذا الدفتر منه ليتسلى بقراءته في أثناء سفره من الدمام إلى الرياض على أن يعيده له عندما يرجع إلى الدمام، ولكن هذا الرجل لم يعد .. ويقول أبوشهاب كنت أحفظ أكثر قصائد الدفتر، فبدأت أعيد كتابتها من جديد .
صاحب " بوسطة " خاصة:
صديق آخر رافق أبوخليفة
في طفولته وصباه وشاركه ضنك العيش وقسوة الغربة، إنه الشاعر ربيع بن ياقوت الذي استذكر الراحل بقوله: حمد أخ وأكثر من أخ بالنسبة لي، نشأنا معاً في منطقة واحدة، كنا نلتقي كل يوم. لقد أحب حمد الشعر مبكراً فحفظه وأتقنه وقرأه في المجالس وتغنى به، ثم بعد ذلك بدأ يكتبه. وعندما تغربت أنا طلباً للرزق في الكويت، ذهب هو مع والده إلى جزيرة " سقطرة "، وهناك تعلم " الطواشة" أي فنون بيع وشراء اللؤلؤ، وعندما عاد إلى الوطن فتح لنفسه دكاناً بسيطاً للبقالة.. ثم تغرب مرة أخرى فلحق بنا في الكويت، حيث اشتغل كاتباً للعوارض في السوق، كان يضع أمامه طاولة ودفتراً وقلماً و "مبراية " ويلبي طلبات الناس في كتابة رسائل إلى الحكام أو التجار أو لعمل أو لأي غرض لآخر. ولم يكن يطلب أجراً معيناً على الرسالة بل يقنع بما يعطى له، وكان لا يتجاوز 3 أو 4 روبيات. كانت أعمارنا تتفاوت بين الثامنة عشرة والعشرين عاماً وحياتنا كانت صعبة وأجورنا قليلة، ثم إن " الغربة تسمى كربة". قام حمد أيضاً بفتح دكاناً بالإشتراك مع المرحوم سالم بن خلفان، وطور عمله في كتابة الرسائل فعمل " بوسطة" فيكتب الرسائل في الكويت ويعود إلى الإمارات ليوصلها إلى أهلها ويشتري بضائع من هناك ويذهب إلى الكويت، وربما يكتب ردوداً على الرسائل التي أوصلها ويعود بها إلى الكويت، لقد كان بريداً متكاملاً.
واصل أبو شهاب رحلة الغربة فذهب إلى السعودية وعمل كاتباً عند أناس يسمون الجلاهمة في الدمام، ومنها انتقل إلى البحرين وعمل فيها لفترة بسيطة، وعاد إلى الإمارات لينتقل من عجمان إلى دبي، فعمل عند التاجر الكيتوب ضابطاً للحسابات.
وكان يبيع الدفاتر والأقلام وغيرها من قرطاسية في دكان شبيه بالبقالة ليتكسب في ذلك الوقت الذي ضاق فيه العيش، ولم يطل مقام حمد في الكويت فربما مكث فيها 3 سنوات بينما عاش في الدمام حوالي خمس سنوات. وعندما عاد إلى الوطن انتقل للعيش في دبي، وهناك اختلط بأدباء وشعراء دبي، وفي مطلع السبعينات، عندما قامت الدولة، تولى مهمة إنشاء المكتبات في مناطق مختلفة عبر عمله مديراً لمكتب وزارة الإعلام في الإمارات الشمالية، ثم عين عضواً في لجنة التراث والتاريخ، وعندها بدأ يكتب الشعر في صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان رئيس الدولة، الذي أنعم عليه بصداقته، وكذلك توطدت علاقته بالشيخ محمد بن راشد ومعالي أحمد بن خليفة السويدي، وبالكثيرين غيرهم من الأدباء والشعراء في دبي وأبوظبي.
ذاكرة موسوعية:
في دبي وطد حمد أبوشهاب علاقته مع أدباء وشعراء المدينة، وحرص على أن ينهل منهم المعرفة ويتبادل العلم، فيقول الشاعر حمد بن سوقات: كان والدي، رحمه الله، شاعراً وعالماً، وكان أبوشهاب يتردد عليه ليتعلم منه بعدما يفرغ من عمله عند الكيتوب، فكانوا يقرؤون في الكتب والسير والشعر، وكان حمد رجلاً طيباً سيرته ناصعة بين الناس، وقد تبادلت معه بعض القصائد. وفي السنوات الأخيرة دأبنا على الالتقاء يومياً في مجلس محمد إبراهيم عبيدالله، وجزاه الله خيراً على الجهود التي قام بها لجمع وتوثيق التراث ولولا عمله هذا لضاع تراثنا.
أما التاجر محمد إبراهيم عبيدالله فيقول عن الراحل: لقد عرفته منذ فترة طويلة تصل إلى 30 عاماً، وتوطدت معرفتي به أكثر في السنوات العشر الأخيرة فكنا نجتمع يومياً في المجلس، وفي آخر سنتين صرنا نجتمع مرتين في اليوم، صباحاً ومساء، كان، رحمه الله، رجلاً موسوعياً في كل شيء من ثقافة وشعر وأدب وتاريخ وأنساب وغيرها، لو سئل فجأة عن أي شيء يرد في الحال من دون أن يحتاج إلى تحضير أو إعادة قراءة مراجع ما، رحيل هذا الرجل خسارة ولكنها مشيئة الله.
عن هذه الخسارة أيضاً
تحدث أحمد القعود، مدير عام إذاعة وتلفزيون دبي، والذي اعتاد لقاءه اليومي وتبادل الأسرار معه، فيقول أحمد: كان جدي على معرفة مع والد حمد أبوشهاب منذ أن كانوا في عجمان، ثم أصبح حمد يأتي إلى جدي ليحقق ويدون تاريخ الحياة السابقة، كما كان يفعل مع غيره من الكبار بالسن، فكان من الأوائل الذي دونوا الذاكرة الشعبية. أتذكره جيداً عندما كان يأتي جدي فكنت معجباً به وبكلامه وتهذيبه وأسلوبه، ونمت الصداقة بيننا لأنني كنت أرتاح له وصار يغنيني عن القراءة في الأدب والتاريخ والشعر الفصيح والنبطي، فهو يمتعني بأسلوبه الشائق وإجادته اللغوية، وهذا ما جعلني أتذوق الشعر النبطي أكثر.. صحيح الفارق السني بيني وبينه كبير ولكنه لم يشعرني يوماً بهذا الفارق فكان، رحمه الله ، ودوداً جداً معي، حتى أنه كان يخبرني عن حكاية كل قصيدة يكتبها، وخاصة الغزلية منها وعن الموقف الذي جعله يكتب القصيدة، ولكنه لم يخبرني أبداً باسم المعنية بالقصيدة ! وكنت لا أتردد في استشارته في أي شيء خاصة عند الاستشهاد بالأحاديث النبوية أو فيما يخص اللغة، ولم أكن أتحرج منه، وكان يدهشني بقوة حفظه وسرعة بديهته وحضوره الذهني، وكنت أقول له: " إني أحسدك على ذلك ". ورحيل أبوشهاب ليس خسارة شخصية لي كصديق بل للدولة كلها، فهو شخصية لا تتكرر عاش الفترة السابقة ودونها ووثقها، وطاف البلاد كلها وحفظ المواقع المختلفة وهو يبحث ويدقق فيما يجمع من قصائد شعرية حتى يصل إلى الرواية الصحيحة بدقة وأمانة. وكان ينفق على هذه الرحلات من جيبه الخاص.

أب صارم:

تحدث خليفة النجل الأكبر لحمد أبوشهاب، قائلاً: كان والدي، رحمه الله، مثالاً للأب الصارم، فقد ربانا تربية دينية متشددة، وكان لا يتهاون في أمر الصلاة بالذات، التي تجب تأديتها في المسجد، فإن فاتتنا ركعة واحدة قد يضربنا أمام الناس لهذا التقاعس، وكثيراً ما وجهنا إلى الالتزام بالعادات الإسلامية والعربية المتوارثة عن الأجداد، وأهم شيء عنده احترام الكبير، خاصة من الأصغر سناً، وكان مهتماً جداً، رحمه الله، بتحصيلنا الدراسي؛ حيث كان يتابع تطورنا ويدقق في الدرجات التي نحصل عليها، وخاصة في مواد التربية الإسلامية واللغة العربية والتاريخ، حتى حصلنا جميعاً- 3 أولاد و3 بنات- على شهادات جامعية، ولم يجبر أياً منا على دراسة تخصص معين، فترك كل واحد يختار التخصص الذي يريده من دون أن يفرض علينا شيئاً هو يهواه، فقد كان ميالاً إلى الشعر والثقافة.
ويسترسل خليفة في حديثه عن والده الراحل فيقول: لم يكن والدي، رحمه الله، يحب الشهرة والأضواء، وقد تمت دعوته كثيراً لتكريمه، ولكنه كان يرفض .. ولا أعرف لماذا؟ هل كان يشعر بأن هذا التكريم غير لائق به أو بأن هناك طريقة أفضل لتكريمه؟
أظن أنه كان يشعر بذلك، خاصة أنه تم تكريم أناس دونه في المكانة ومتميزين في مجال واحد، بينما أعطى هو في عدة مجالات، وكان عطاؤه فريداُ؛ فقد كان أول من قدم مجالس الشعراء في التلفزيون عبر تلفزيون الكويت من دبي عام 1971، وأول من نشر الشعر الشعبي في الصحافة اليومية عبر جريدة البيان منذ عام 1981، وأول شاعر إماراتي تغنى إحدى قصائده في مصر، فقد لحن وغنى قصيدته عيد الفرج على مسرح البالون في القاهرة منتصف السبعينيات، ويعتبر كتابة " تراثنا من الشعر الشعبي" درة الكتب التي أصدرها، فهو حصيلة جهد 40 عاماً جمع خلالها قصائد شعراء متوفين منذ 350 سنة أو أكثر، وطاف البلاد كلها ليكون دقيقاً في الجمع والتدقيق والتحري.. لقد ترك – رحمه الله – اوراقه في عدة أماكن من البيت والسيارة، وكان أحياناً يكتب على المحارم الورقية حتى لا ينسى الأفكار، وكثيراً ما استيقظ من نومه ليدون بعض الأبيات الشعرية ثم يعاود النوم.
وعن مجلسه وأصدقائه المترددين عليه يقول خليفة: كان، رحمه الله، سيد الجلسة، وكانت تدور نقاشات بين المفكرين والكتاب وأساتذة الجامعات عن الثقافة والشعر والتاريخ، وكثيراً ما صحح لهم بعض المعلومات الخاطئة، وكان لا يتنازل عن آرائه ولا يجامل أحداً، خاصة الذين يستشيرونه في كتابة المقالات والشعر.. كان، رحمه الله، متميزاً أيضاً بصفة الوفاء لأصحابه ومعرفه ويصل أرحامه، وكان لديه جدول يومي للزيارات يتنقل خلاله بين 5 أو 6 أماكن، بالإضافة إلى زياراته الأسبوعية، وأحياناً كان يشكو من عدم مبادلتهم لزياراته، وبعد وفاته لام كثيرون أنفسهم لتقصيرهم تجاهه.
أما مكتبته فقد ضمت الآلاف من الكتب إلا أنه، كما يقول خليفة، قام في الفترة الأخيرة بإهداء مجموعة كبيرة منها إلى مكتبة عبدالله الشيبة في عجمان التي أسسها صديق عمره محمد الشيبة. ويضيف خليفة: لدى الوالد عدة كتب مخطوطة منها اثنان جاهزان هما "ديوان الخضر" و"إطلالة على تاريخ الإمارات"، بالإضافة إلى سيرته الذاتية التي كتبها عن حياته منذ الصغر، وإننا بصدد إعداد هذه المخطوطات للطباعة.
صراحة مفيدة:
تتلمذ على يد الراحل حمد ابوشهاب عدد من شعراء القصيدة النبطية الذين حرصوا على النهل منه للاستفادة
من خبرته وتوجيهاته، فكان شديداً عليهم من أجل أن يتقنوا الشعر؛ فيقول الشاعر سعود الدوسري: في عام 1980 التقيت الراحل حمد أبو شهاب وقدمت له نفسي ولكنه سبقني إلى التفصيلات فحدثني عن والدي، رحمه الله، الذي عرفه في عجمان وعدد لي مناقبه، وأحسن استقبالي، فعرضت عليه قصيدة كتبتها فقرأها ونقدها بشدة وصراحة. وهو معروف عنه عدم مجاملته لأحد، خاصة في مجال الشعر والأدب، فتضايقت من هذا الأمر خاصة أنه طلب مني أن أطور نفسي وأكثف قراءاتي حتى تكون الكتابة أفضل، ولفت انتباهي إلى ضرورة الاهتمام بمعنى القصيدة وعدم الاكتفاء بصحة وزن وقافية القصيدة، وخرجت من عنده وأنا عازم على العودة إليه مرة أخرى لأثبت له أني أستطيع كتابة الشعر، وخضعت التحدي بيني وبين نفسي وعدت إليه بقصيدة أخرى فوجهني في بعض أجزائها ثم احتفظ بها من دون أن يعلق، وخرجت متضايقاً أيضاً لأنه لم يقل لي إن كان سينشرها أم لا في صفحة الشعر الشعبي التي يشرف عليها في صحيفة البيان، ولكنه فاجآني بنشرها بعد أسبوع ما حفزني للكتابة أكثر .. بعدها عرفت أنه لا يثني على الشاعر في حضوره وقد يمتدحه أمام الآخرين، كان، رحمه الله، يرى أنه إذا طرح الشعر ووصل إلى الناس يصبح من حق الناس ولهم أن ينتقدوه سلباً أو إيجاباً. وبعدها تكررت زياراتي للشاعر في مكتبه وفي منزله العامر حيث يجتمع الكثير من الشعراء والوجهاء والعامة ليستمتعوا بأحاديثه.. وكانت أحاديثه لا تخلو من رصد لحالة الأمة وآماله بصحوتها.
بالروح نفسها يتحدث الشاعر عبيد بن طروق النعيمي الذي تعلم من الراحل فنون نظم الشعر فقال: في بداية تلمسي لطريقي نحو الشعر ترددت على المرحوم في مكتبه فوجهني كثيراً ونبهني إلى الكثير من الأمور التي كانت تفوتني، وكنت لا أعتمد أية قصيدة أكتبها إلا بعد أن أطلعه عليها ليعطيها جواز مرور بنشرها في الصحيفة، ولكنه كان شديداً علينا أحياناً لدرجة أنه يحبطها تماماً، وفي أحيان أخرى يرفع معنوياتنا بقوله إن القصيدة جيدة ولكنها بحاجة إلى إعادة نظر.
ولم نكن نتعلم منه، رحمه الله، الشعر فقط، فالحديث معه مغنم لأنه كان يفتح مجالاً لطرح الأفكار والأسئلة عن التاريخ والأدب والأنساب.. كان مثل الكتاب المفتوح؛ كلما أنهيت صفحة اشتقت للصفحة
التالية. وكان يتحسس كثيراً من الدخيل على الشعر وما يسمى النثر، وكان يفضل عليه الشعر العربي التقليدي ويعشق المتنبي، وخسارة رحيله ليست للإماراتيين فقط بل للعرب كلهم، لأنه رجل نادر ولن يتكرر.
حـدة الصدق:
اتفق الجميع على حدة طبع الراحل وعدم تسامحه مع الخطأ في اللغة، والشعر بالذات؛ فكان سريع الغضب، كما يقول الشاعر حمد بن سوقات، عندما تجادله في الخطأ.. ولكنه رجل صادق لا يقبل الكلام غير الموزون خاصة إن كان قصيدة، وكنا نقول له: هون عليك ليس كل الناس تتقن ما تقول، ولكن هذا هو طبعه .
غير أن الشاعر ربيع بن ياقوت يقول إن الحدة لازمته بعد سن الخمسين؛ فكان لا يقبل الكلمة الناقصة ولا يجامل من يخطئ .
ولكن لسعود الدوسري وجهة نظر أخرى في شدة الراحل، فهو يقول: إننا نفتقد في الإمارات، وخاصة في وسائلنا الإعلامية، الأساليب الصحيحة للنقد، فعلمنا أبوشهاب أن المشرف على أية وسيلة تهتم بالإبداع لابد أن يكون صريحاً ولا يتسرع في نشر ما يصله من إبداعات فيلقي عليه نظرة وأخرى حتى يقتنع، وإن أحتاج الأمر جادل الشاعر في المعنى إن وجده مختلاً. وكان حريصاً على ألا تمس القصائد ركناً من أركان الدين الإسلامي ولا تجمل عادة سيئة ولو بالتلميح، وكنا نستفيد من شدته هذه لأننا نتعلم، فكان أغلب تلامذته لا يقدمون إليه شعرهم إلا بعد أن يتعبوا عليه، لأنهم يتعاملون مع شخص لا يجامل، وفي الوقت نفسه كان، رحمه الله، رقيق القلب مثل طفل، فقد التقيته في إحدى المرات وسألته عن جديده فأخرج من جيبه قيدة وقرأها وهو في غاية الابتهاج والسرور، ولأنها كانت رداً من سمو رئيس الدولة على قصيدة ألقاها بمناسبة إعادة بناء سد مأرب، وكان – رحمه الله – يعتز جداً بالقصائد التي يتبادلها مع سمو رئيس الدولة والشيخ محمد بن راشد. وبعد عدة أيام التقيته مجدداً وسألته عن جديده فأخرج القصيدة ذاتها من جيبه وقرأها بحبور وأعاد علي
قصتها ومناسبتها وكأنه يخبرني عنها لأول مرة ..
ويؤكد أحمد القعود على ارتباط حدة الطبع بالصدق وبالغيرة، فيقول: كان شديداً معي أنا أيضاً، وكان لا يقبل أن يتم التسلق على الشعر كما لا يقبل الخطأ في قواعد اللغة، وهذا من حرصه. وكان صريحاً جداً في هذه الأمور، والناس خلطوا ما بين الصراحة والحدة، وطبعا هذا جلب له الكثير من المتاعب الصحية وخلق له عداوات مع الآخرين الذين لم يفهموا على أي أساس يبني مواقفه؛ فهناك أمور لا داعي للمجاملة فيها، وكان يعترف – رحمه الله – بسرعة غضبه؛ وهو أمر كان يزعجه جداً.
لحظات الرحيـل:
شهد حمد بن سوقات لحظات سقوط الراحل بل تلقفه بيده عندما أصابته الجلطة وهوى، ويقول: كانت الساعة تشير إلى العاشرة صباحاً تقريباً يوم الثامن من أغسطس، عندما وصل أبوشهاب إلى قصر الشيخ زايد في جنيف، فسلمنا عليه وجلست معه نتحدث فكلمني عن أحواله، وعن العملية الجراحية التي أجريت له قبل سنوات لتغيير خمسة شرايين في قلبه.. وحمد الله أنه لا يشكو من شيء الآن. ثم ألقى علي قصيدة وفعلت أنا كذلك، ثم دعينا إلى الحضور لمجلس الشيخ زايد بن فجلست أنا قرب الشيخ وتفصلني عنه طاولة، بينما جلس أبوشهاب ليس بعيداً عنا، ثم وقف أمام الشيخ وتحدث عن سيرة الشيخ زايد منذ أن كان في العين وعدد منابه وصفاته واستدل على مواقفه النبيلة بأبيات شعرية، وكانت من أفضل السير التي سردها أبوشهاب ودونها، وأظن أنه قرأ 3صفحات بثبات ومن دون أن يتغير فيه شيء، ورأيته يجمع الأوراق بين يديه واعتقدت أنه سيتقدم بها إلى سمو رئيس الدولة ولكنه وقع فجأة على الطاولة فتلقفته بين يدي وحملته وشعرت كأن روحه قد فارقت جسده، فاجتمع عليه الحضور ومددوه في وسط المجلس، وجاء رجال الإسعاف ودلكوا قلبه فلم يستجب، فاستعانوا بجهاز الصعق الكهربائي فاستجاب، وذهبوا به إلى المستشفى. ويقال إنه أصيب بنوبتين في أثناء نقله وجاءته الثالثة في المستشفى، وبقي في الانعاش حوالي أسبوع لم يتحدث خلالها مع أحد.. حتى انتلقت روحه إلى بارئها يوم 19/8/2017. إنا لله وإنا إليه راجعون .
الخاتمة:
هذا هو محمد بن خليفة بوشهاب , تعجز السطر على حمل صفاتة وسيرتة,عشق الشعر واخلص له فقد كان أول من قدم برامج الشعر الشعبي في التلفزيون و أول من نشر الشعر الشعبي في الصحافة اليومية و أشرف على إصدار عدد كبير من الدواوين الشعرية لشعراء النبط في الإمارات, وتسلم مناصب عديدة في الدولة من مثل عين وزيراً مفوضاً بوزارة الخارجية ثم عضو لجنة التراث والتاريخ ومن ثم تسلم إدارة مكتب وزارة الإعلام في الإمارات الشمالية,رغم كل هذا لم يقصر في اداء واجبة كأب اتجاه ابنائة.
المراجع والمصادر:
انترنت : شبكة الرحال
الأماراتية…..

مـعهد الإمارات التعليمي ….
قوقل ….

الموضوع من مجهوديـِ الشخصيـْ عند النقل يرجى ذكر المصدرٍ

الـ غ ـلا كلـًٍـ ه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.